في زمنٍ أصبحت فيه حتى لحظات الراحة موضوعاً للتنافس أو الاستعراض، يرى الفيلسوف بيونغ-تشول هان أننا أصبحنا "مجتمع الأداء" حيث تحولت حتى الترفيه إلى نوع مختلف من العمل، وصار الأفراد يمضون أوقات فراغهم في نشر صور الرياضة أو السفر على الشبكات الاجتماعية، فيتعزز لديهم الشعور بالإرهاق والاحتراق النفسي.
يرتكز منظور أرسطو إلى أن تحقيق السعادة أو "اليودايمونيا" يكمن في تنمية الإنسان داخلياً من خلال الفضائل والعمل الأخلاقي، وليس عبر اللذة أو المال أو الشهرة أو السلطة. السعادة - بحسب الأخلاق النيقوماخية - هي ممارسة النفس وفقاً للفضيلة. لا يتحقق هذا إلا بصبر ومثابرة من خلال بناء العادات والعمل اليومي الموجه نحو الشجاعة والاعتدال والكرم.
يشرح أرسطو أن قدرة الإنسان على التخلي عن اللذات وتكرار الفعل الصحيح تورثه تلك الفضائل عملياً: "بالابتعاد عن اللذات نصبح معتدلين" (النص). ويؤمن أن التكوين الأخلاقي لا يكتمل دون أصدقاء صالحين ومرشدين يدعمون تطوره الأخلاقي.
في المقابل، يعتبر الفراغ ضرورة جوهرية لاكتشاف الذات واتخاذ قرارات مصيرية تخص من سيُصبح عليه الإنسان، بعيداً عن ضغوط النجاح الظاهري. تشير جين هيرلي إلى أن الفراغ شرط أصيل لتحقيق الازدهار الإنساني، بل إنه الدعامة المشتركة بين أرسطو وأفلاطون نحو أسمى مراتب النجاح البشري.
يؤكد أرسطو أن بإمكان الإنسان تغيير رغباته وطبيعته عبر اكتساب الفضائل، ويرى أن ما يفعله الإنسان في أوقات الفراغ يحدد جوهره الحقيقي، مفترضاً أن انسياق الفرد لأوقات فراغ يستغلها لعرض الإنجازات يصعب معه تحقيق النمو الأخلاقي والروحي المرجو، في حين أن استثمارها في تطوير الذات هو السبيل لعلاقة فكرية وروحية متماسكة مع الذات.
خلاصة القول: في زمن طغت فيه معايير النجاح الخارجي والاستعراض على عمق تجربة الإنسان، تبرز دعوة أرسطو لإعادة الاعتبار لـوقت الفراغ كمساحة حُرّة لتطوير الذات وبناء السعادة الأصيلة، لا مجرد فسحة للراحة أو منصة لإنجازات سطحية.