وسط مخاطر أمنية متصاعدة وتحت تهديد وشيك باستهداف مبنى الأرشيف الأثري، تمكن فريق من الباحثين الفرنسيين بدعم من تدخلات دبلوماسية دولية من إنقاذ جزء مهم من مقتنيات غزة الأثرية. العملية، التي استمرت ساعات قليلة نتيجة تحذير إسرائيلي بقصف مرتقب، جرت بتنسيق سري مع الجهات الدولية كمقر مدرسة الآثار التوراتية الفرنسية وبدعم من اليونسكو ووزارة الثقافة الفرنسية، ما أتاح إخلاء المخزن الأثري في اللحظة الأخيرة بعدما بات مصير أكثر من 180 مترًا مكعبًا من القطع مهددًا بالفناء.
يبين مدير المشروع أن نقل الآثار كان مهمة محفوفة بالمخاطر شابها ارتجال في النقل واللوجستيات، في ظل غياب تام لأي بنية تحتية أو دعم على الأرض، وبتحفظ واضح على سلامة المشاركين. معظم المقتنيات التي جرى إنقاذها كانت ثمرة عمل متراكم على مدى عقود، وتندرج ضمنها قطعٌ من دير القديس هيلاريون المصنف ضمن لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر بحسب اليونسكو لعام 2024.
لكن هذا الإنجاز لا يحجب الصورة الأكبر لحجم الدمار الذي أصاب تراث غزة، حيث تشير تقديرات وزارة السياحة الفلسطينية وتقارير دولية إلى تضرر أو تدمير أكثر من 226 موقعًا أثريًا في القطاع جرّاء القصف المباشر، من بينها مواقع ومساجد وكنائس تاريخية وقصور عثمانية تعود لعصور مختلفة. ووفقًا لإحصاءات اليونسكو، تم حتى منتصف 2025 تسجيل تضرر 110 مواقع تراثية بين دمار جزئي أو كلي، الأمر الذي دفع خبراء التراث لإطلاق حملات توثيق عاجلة ووسم كثير من المواقع بالخرائط والصور في محاولة للحفاظ على ما تبقى من ذاكرة المكان.
مع انعدام متاحف عاملة في غزة ودمار معظم المستودعات، يحذّر خبراء من أن توثيق الموجودات سيصبح الأثر الوحيد المتبقي من تراث المنطقة، حيث باتت غالبية المقتنيات والمشاهد الأثرية عرضة للاندثار. المشهد يعكس أزمة حضارية غير مسبوقة، حيث تتبدد المعالم الأثرية وتتقلص الفرص لإعادة الإعمار وسط تحديات سياسية واقتصادية خانقة للمجتمع الدولي وسلطات التراث المحلي.