شهد الوسط العلمي حدثًا استثنائيًا عقب إعلان فريق دولي بقيادة مرصد شنغهاي الفلكي رصد واحد من أوضح الأدلة على وجود ثقب أسود متوسط الكتلة يتجول بعيدًا عن مركز مجرته. هذا الاكتشاف، الذي تم في مجرة قزمة تبعد 230 مليون سنة ضوئية، يمثل تحولًا كبيرًا في تصور الباحثين لمسارات ونشاط الثقوب السوداء، فبدلًا من اقتصار وجودها الدائم في قلب المجرات، تبيّن أن هذه الأجسام يمكن أن تنشط في أطرافها أيضًا.
الثقب الأسود المكتشف تبلغ كتلته قرابة 300 ألف ضعف كتلة الشمس ويرسل نفاثات راديوية تمتد نحو 7 سنوات ضوئية، وتم تحديد نشاطه المستمر من خلال تتبع تغيرات سطوعه على مدار ثلاثة عقود مستخدمين بيانات أرشيفية بين عامي 1993 و2023. ويعكس هذا الاكتشاف قدرة التقنيات الحديثة والرصد طويل الأمد في الكشف عن سلوكيات غامضة للثقوب السوداء، إذ استخدم العلماء منظومة "في إل بي إيه" لرصد التفاصيل الدقيقة للنواة النشطة الصادرة عن الثقب.
أهمية الحدث تكمن في كونه أول دليل مقنع على أن الثقوب السوداء قد تتواجد خارج المراكز المجريّة وتُغذي نفسها بنشاط، الأمر الذي يفرض إعادة النظر في فرضيات تطوّر المجرات ونمو الثقوب السوداء التي كانت تعتبر حصريًا على المراكز. ورجّح الباحثون أن لهذا الاكتشاف آثارًا بارزة لفهم مراحل النمو السريعة للثقوب السوداء في بدايات الكون، كما يفتح الباب أمام دراسات جديدة حول آليات الإنجراف المجريّ وأثرها على بنية وتطور المجرات الصغيرة والكبيرة على حد سواء.
في المقابل، تمكن علماء أوروبيون من تحقيق قياس غير مسبوق لهالة الثقب الأسود العظمى عبر "التكبير المزدوج"، مستفيدين من ظاهرة العدسات الجاذبية الدقيقة الناجمة عن مرور نجوم أمام مصدر كوني بعيد. مكّن ذلك من تحديد أبعاد كورونا (الهالة الساخنة) حول الثقب بشكل مباشر لأول مرة، مما فتح نافذة جديدة لفهم سلوك الحقول المغناطيسية التي تتحكم في تغذية هذه الأجرام الهائلة. وتعد هذه المنهجية طفرة في مقاييس الفلك الراديوي وقد تتيح مستقبلًا اختبارات أكثر دقة لفحص بنية وأدوار الثقوب السوداء خارج نطاق المركز المجري التقليدي.