تسريع الرأسمالية وحدود الإنسان: نيك لاند بين التقنية والتحول الجذري

أضيف بتاريخ 09/17/2025
منصة المَقالاتيّ


يشكل الفيلسوف البريطاني نيك لاند إحدى الحالات النادرة في الفكر المعاصر، إذ انتقل من أروقة اليسار الأكاديمي إلى صدارة النقاشات حول الرأسمالية والتقنية بصياغاته الجذرية التي صارت حجر زاوية لتيار "التنوير المظلم" والتسريعية. يرى لاند أن الرأسمالية ليست منظومة اقتصادية فحسب، بل قوة تفكيك وتحرير تمضي بلا رحمة نحو تعميق الفوارق وابتكار الحدود، وهو ما يجعلها تتجاوز كل آليات الضبط، من الدولة إلى الديمقراطية.

منطلق لاند يقوم على نقد التصور التقليدي للحداثة، إذ يعتبر أن الليبرالية والديمقراطية لا تستطيعان سوى إبطاء الزخم التحريري الكامن في الرأسمالية. ولذا فهو يدعو إلى تسريع المسار الرأسمالي لا كوسيلة إصلاح بل كاستراتيجية تفجير تضاعف من قوى السوق والتقنية لبلوغ عتبة ما بعد الإنسان. في هذا الأفق، لا يمكن التمييز بين تطور الاقتصاد وتطور العلوم البيولوجية والجينية؛ فالإنسان ذاته يصبح قابلاً لإعادة التشكيل ضمن سيرورة ابتكارية عميقة قد تقود نحو نوع جديد من الكائنات.

يرتبط فكر لاند بمفاهيم استمد بعضها من اليسار الفرنسي (مثل التفكيك والتحطيم الخلاق عند دولوز وغاتاري)، لكنه يعيد توجيهها لصالح رؤى نخبويّة وغالبًا محفوفة بالجدل. فالنقد عنده يشمل الديمقراطية ذاتها التي يصفها كآلية لتوليد جمود جمعي عبر تآلف مصالح الفئات المؤثرة ضد دينامية السوق والمخيلة التقنية. ويعتبر أن النهاية المنطقية للرأسمالية هي لحظة تلاشي الحدود بين الإنسان والآلة، حيث يسيطر الذكاء الاصطناعي والتعديلات الجينية على مصير النوع البشري، وتندمج الرغبة والسوق في وحدة لا يمكن فصلها.

أثرت أفكار لاند في الحركات النيو-تفاعلية وبعض الدوائر اليمينية الراديكالية، كما تركت حضورًا لافتًا في الأعمال الأدبية والفكرية المعنية بالمصير البشري في مواجهة انفجار التقنية. إلا أنها واجهت أيضاً انتقادات قوية، خاصة لارتباطها بنقد الديمقراطية وتصاعد الطروحات النخبوية أو حتى العنصرية أحياناً، ما جعلها موضوع جدل واسع في الأوساط الأكاديمية والثقافية.

 فتحت قراءة لاند المتطرفة للرأسمالية والتقنية باباً واسعاً لإعادة التفكير في علاقتنا بالتقدم، وحدود السياسة وأدوار العقل في زمن يُعاد فيه تعريف الإنسان ذاته كأفق تطوري مفتوح أمام طفرة غير مسبوقة من التحولات العلمية والاقتصادية.