الجذور المفقودة لمجتمع التتار في بولندا

أضيف بتاريخ 09/19/2025
منصة المَقالاتيّ


يعيش التتار البولنديون في منطقة بودلاشيه على الحدود مع بيلاروسيا منذ أكثر من ستة قرون، ويشكّلون واحدة من أقدم وأصغر الأقليات المسلمة في أوروبا. الذاكرة الجماعية تربطهم مباشرة بهجرة أجدادهم من "الحشد الذهبي" المغولي والكبتشاك منتصف القرن الثالث عشر، حين استقروا وهم جزء من قوات الإمبراطور المغولي باتو بن جنكيز خان. منذ ذلك الحين، تماهى وجودهم مع تاريخ المنطقة فشاركوا في حروب المملكة البولندية وتحولوا من طبقة نبيلة محاربة إلى مواطنين عاشوا في عزلة ثقافية ودينية ملحوظة، احتفظوا بأداء شعائر الإسلام السنّي مع اندماج تدريجي في المجتمع البولندي شديد الكثافة الكاثوليكية.

خسر التتار الكثير عبر الزمن: اللغة، العادات والتقاليد، ولم يبق سوى بعض الطقوس الدينية ومزايا المطبخ المحلي. يحمل القليلون اليوم أسماء مزدوجة تجمع الطابع الإسلامي والبولندي في محاولة لحماية جذورهم من الاندثار بفعل الزواج المختلط والهجرة المتواصلة من القرى إلى المدن. بفضل جهود أفراد مثل هالينا شاهيديفتش، تم مؤخراً إعادة إحياء الرقصات والموسيقى التقليدية تحت مسمى "بونتشوك"، باستخدام خبرات من القرم والشيشان والبحث في المخطوطات والصور، لكن هذه الاحتفالات تبقى محدودة في ظل الانقراض الديمغرافي لمجتمع لا يتجاوز بضعة آلاف.

على مستوى العلاقات الدينية، يفضل التتار نمط إسلامي منفتح بعيد عن الصرامة التقليدية: لا تجبر النساء على ارتداء الحجاب، تظل الجنائز مختلطة، ويقرأ القرآن بلغات متعددة مع الحفاظ على التنغيم البولندي المحلي. ومع تدفق مهاجرين جدد من الشرق الأوسط، ظهرت توترات حول طريقة ممارسة الشعائر، واختيار الأئمة، واحتكار إصدار شهادات الحلال من طرف القيادات الدينية المحلية، لا سيما مع بروز صوت المفتي الذي تلقى دراسته بالسعودية، ما أوجد خلافات إدارية وثقافية حول شرعية القيادة الدينية والتأثير الخارجي على تقاليد المجتمع.

بإصرار على التعددية، يحتفظ التتار بعلاقة معقدة بالدولة والهوية، فلا ينكرون بولنديتهم، لكنهم يؤكدون بعناد على إرثهم الآسيوي والفارق الجوهري مع أكثرية العرب والمسلمين الجدد. بيوت وقبورهم في كرزيناني وبوهونيكي تتجاور بألفة مع المسيحيين، في مشهد يؤرخ لتاريخ طويل من التقبل والازدواجية الدينية والثقافية. ومع ذلك، تدق التغيرات الديمغرافية وموجات الهجرة والانحسار الثقافي ناقوس الخطر أمام مستقبل مجتمع يعرف أصله ويفتخر به، لكنه يخشى أن تتلاشى جذوره في الزحام الأوروبي الحديث.