نقاش حول شعار «فلنُعطل كل شيء» بين الراديكالية والواقعية السياسية

أضيف بتاريخ 09/24/2025
منصة المَقالاتيّ

في *صحيفة لا كروا*، خصصت الكاتبة ماري غران في عمودها الأسبوعي تحليلاً نقدياً لشعار «فلنُعطل كل شيء» الذي رفع خلال التظاهرة ضد مشروع الموازنة في 10 سبتمبر الماضي. هذا الشعار، بحسبها، يعكس نزعة متطرفة تشبه الوهم أكثر مما تجسد أفقاً للعمل السياسي الفعّال، إذ يقوم على فكرة محو النظام القائم بالكامل لإعادة البناء من الصفر، من دون أن يقدم وسائل عملية لتحقيق التغيير. 



المقال يرى أن الخيال السياسي مرّ خلال العقود الأخيرة بتحول عميق. ففي سبعينيات القرن الماضي رفع الحزب الاشتراكي شعار «تغيير الحياة»، بينما يسعى الناشطون اليساريون الراديكاليون اليوم إلى «تجميد كل شيء». غير أن هذه النزعة، المشبعة بإحساس بالعجز، تعيش على وهم الثورة السريعة التي يمكن أن تندلع بفضل أدوات رقمية ومنصات مدفوعة بخوارزميات وذكاء اصطناعي، علماً أن هذه الأدوات نفسها هي نتاج لمنظومة رأسمالية تُفترض محاربتها.  

وتطرح الكاتبة مقارنة مع التجارب التاريخية الناجحة للحركات الاحتجاجية المنظمة. فالمكاسب الاجتماعية الكبرى في القرن العشرين، كما الحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة، لم تتحقق عبر الدعوات الجارفة إلى الانهيار، بل من خلال نضالات متواصلة ومطالب محددة: الحق في الجلوس في حافلات مونتغومري عام 1955، أو ارتياد المطاعم العامة في برمنغهام سنة 1963، أو الالتحاق بمدارس سانت أوغسطين سنة 1964، وصولاً إلى تسجيل الناخبين في سلما عام 1965. بهذا النهج التدريجي بنيت انتصارات كبرى غيّرت المجتمعات.  

وتعالج غران أيضاً البعد الديني والفكري للشعار، متسائلة: كيف يمكن أن يجد بعض المسيحيين أنفسهم في خطاب كهذا؟ فالكتاب المقدس يتضمن مزدوجية ظاهرة: من جهة، الدعوة إلى «إسقاط المتجبرين عن عروشهم» (لوقا 1: 52)، ومن جهة أخرى، الحث على «الخضوع للسلطات القائمة» (رومية 13: 1). وهنا تستدعي الكاتبة تصنيف بول ريكور بين دور «النبي» الذي يفضح الظلم وينذر بانهيار المجتمعات، ودور «الملك» الذي يمثل استمرارية المؤسسات وأثرها في تعزيز العدالة والمعرفة والرفاه.  

وتعود الكاتبة إلى المثال الذي غالباً ما يُستشهد به: مارتن لوثر كينغ. فحلمه الشهير لم يكن خيالاً ثورياً قادماً من خارج الواقع الأميركي، بل كان متجذراً في النصوص المؤسسة للبلاد، أي الدستور وإعلان الاستقلال. فبذكاء سياسي وحنكة عملية، عرف كيف يبحث داخل النظام عن نقاط ارتكاز كي يمارس ضغطاً مصلحاً من داخله. بينما مشهدنا الراهن، كما تحلل غران، يميل إلى الانفعال المستمر دون أهداف محددة، وإلى الانجذاب لفكرة الضغط على «زر التوقف» وكأنها بطولة وجودية، في حين أنها في الحقيقة تعبير عن عجز عن إدارة الصراع بطريقة منتجة.  

بهذا المعنى، تشير الكاتبة في *لا كروا* إلى أن التحدي الأكبر اليوم ليس في كثرة السخط، بل في إيجاد مساحات واقعية للتأثير. فالاكتفاء بشعار مثل «فلنُعطل كل شيء» يظل في نظرها دليلاً على افتقاد «ذكاء الصراع»، أي القدرة على الجمع بين الرؤية النقدية للمظالم وبين الثقة في أن المؤسسات، مهما بدت بطيئة أو فاسدة، تظل مجالاً مفتوحاً للتغيير التدريجي الذي يصنع الفارق على المدى الطويل.